حمزه
صاحب ومدير الموقع
السٌّمعَة : 0
 |  موضوع: عندما ترتدي التبعية والتقليد مسوح التقدير // محمد بن شاكر الشريف السبت مارس 10, 2012 9:46 am | |
| عندما ترتدي التبعية والتقليد مسوح التقدير
السبت 17 ربيع الثاني 1433 هـ - 10 مارس 2012 م
محمد بن شاكر الشريف
جملة كانت مستورة في النفوس وكانت تلقى على أسماع الأتباع من خلال الدروس أو السلوك إما تصريحا وإما تلميحا: "علماؤنا وشيوخنا هم فوقنا في كل علم وأخبر منا بالواقع وأعرف بالمصالح والمفاسد ونحن نثق فيهم ومن ثم فسنمضي خلفهم ولن نتقدمهم بشيء"، بل حتى يقول القائل: "فلن نكون أحرص على الإسلام من مشايخنا، وقد اختلط الدين بدمائهم ولحومهم ولاقوا في الله أضعاف ما يظن أحدنا أنه لاقاه في الله ولم يقبلوا الترخص في دين الله في مواطن جاز لهم ذلك فيها"، وهذا القول الأخير مشبع بالغلو الشديد.
تلك جملة بدأت تطفو على السطح بقوة في تعامل كثير من الأتباع مع الأحداث اليومية الساخنة في ظل عدم تجاوب الشيوخ والقادة والزعماء مع تلك الأحداث الجسام التجاوب المنتظر منهم واللائق بمكانتهم، وربما كان هذا المنطق في حقيقته تعبيرا عن الإحساس بالهزيمة أمام منطق التيارات المنافسة التي امتلكت قرارها الذاتي عن طريق تكوين قناعاتها من خلال معطيات الواقع والتفاعل معه، ولم ترهن إرادتها أو تتنازل عنها لمشايخها، فالتيارات المنافسة كانت قوية في منطقها في النظرة إلى الأحداث والتعامل مع الواقع من خلال معطياته الظاهرة الواضحة الدلالة، والتي تأتي الأحداث اللاحقة لتؤكدها، فلم يجد الفريق الآخر أمام قوة منطق وحجة الفريق المنافس ملجأ أو مدخلا يلجؤون إليه ويحتمون به ليكون حائط صد أمام مطارق الفريق المنافس غير تلك الحجة الداحضة في ذلك الموقف.
هذه الجملة ليست خطأ مطلقا فأهل العلم لهم مكانتهم بما تحملوه من العلم وبما تحملوا في سبيل نشره وتبليغه للناس ولا يزال الناس بخير ما وقروا علماءهم وحفظوا لهم مكانتهم، وإنما يأتيها الخطأ من خلال إيقاعها على ما لا تقع عليه، وهو يتضمن شطرين: 1-الأشخاص 2-الموضوعات.
فمن الأشخاص الذين يحق أن يقال عنهم لن نتقدمهم بشيء وهم فوقنا في كل علم، وما الموضوعات التي يقال فيها هذا الكلام؟
أما الأشخاص الذين يقال فيهم هذا الكلام فهم العلماء بمقياس أهل العلم وليس بمقياس العوام أو الأتباع، فقد صار في ذلك الزمن يطلق لقب العلماء على من ليس بعالم في الحقيقة حيث ينظر للقصاص والوعاظ والدعاة (وهذا لا يقلل من شأنهم ومن شأن ما يقومون به) على أنهم العلماء، مع أن لقب العالم لا يتناول من حفظ المسائل فقط بل العالم هو الفقيه، وليس كل من يحفظ أو يحمل الفقه يكون فقيها "فرب حامل فقه ليس بفقيه"، قال صلى الله عليه وسلم "نضر الله امرأ سمع منا حديثا، فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
والفقيه من له القدرة على استخراج الأحكام من النصوص والاجتهاد الصحيح المنضبط فيما يستجد من الأمور، مع الاجتهاد في العبادة والزهد والورع، عَنْ عِمْرَانَ الْقَصِيرِ، قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ شَيْءٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: «وَهَلْ رَأَيْتَ فَقِيهًا بِعَيْنِكَ؟ إِنَّمَا الْفَقِيهُ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الْبَصِيرُ بِدِينِهِ الْمُدَاوِمُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
أما الموضوعات التي يقال فيها هذا الكلام فهي الموضوعات التي يكون العلم بها من طريق النصوص الشرعية حتى مع التسليم بكون الناظر في هذه المسائل فقهيا أو عالما بمقياس أهل العلم، وأما الموضوعات التي تعتمد الخبرة والمعرفة بالأحوال الواقعة والتي تدخل في تحقيق المناط، فليست داخلة في ذلك، وإدخالها فيه من قبيل تحميل أهل العلم أو تكليفهم بما ليس متيسرا لهم بل بما يصعب عليهم وهم فيه كبقية الناس لا امتياز لهم على غيرهم إلا بما لديهم من خبرة والمعرفة بالأحوال، قال ابن تيمية: "تحقيق المناط"، وهو مما اتفق عليه الناس كلهم: نفاة القياس ومثبتيه؛ فإن الله إذا أمر أن يستشهد ذوا عدل، فكون الشخص المعين من ذوي العدل لا يعلم بالنص بل باجتهاد خاص، وكذلك إذا أمر أن تؤدى الأمانات إلى أهلها وأن يولى الأمور من يصلح لها، فكون هذا الشخص المعين صالحا لذلك أو راجحا على غيره لا يمكن أن تدل عليه النصوص، بل لا يعلم إلا باجتهاد خاص"، وحتى لا يكون كلامنا نظرا مجردا فإننا نعرض لمثالين:
المثال الأول: عندما بدت بوادر الثورات على الأنظمة الجائرة التي جاوز طغيانهم وظلمهم وجبروتهم كل طاقة احتمال، قام كثير أو بعض من يطلق عليهم الأتباع لفظ المشايخ والعلماء يحضون الناس على عدم المشاركة في مقاومة البغي والظلم ويحذرونهم، ولو استجاب الناس لهم وطبقوا تلك القاعدة: هم فوقنا في كل علم وأخبر بالواقع وأعلم بالمصالح والمفاسد، لما كانت هناك ثورة ولا كان هناك تغيير، ولظل الناس يرسفون في أغلال العبودية والذل إلى يومنا هذا، وقد كان من مكر الله تعالى بتلك الأنظمة أنها كانت أغلقت الفضائيات التي كان يطل منها هؤلاء العلماء والمشايخ، ولو كانت هذه الفضائيات تعمل في ذلك الوقت لمارس العلماء والمشايخ دورهم في الحض على عدم المشاركة والتحذير من الخروج على ولاة الأمر، وصدق الله: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين"، بل إن الأمر لم يقف عند ذلك الحد حتى إنه ما زال بعض العلماء والمشايخ يرون فيما حدث فتنة وخروجا على ولي الأمر الواجب السمع والطاعة.
والمثال الثاني: ترشيح مسلم لمنصب الرئاسة حيث أعلن كثيرون ذلك، لكن كان من بينهم من تفرد بانحيازه التام إلى الشريعة لا يداهن في ذلك ولا يداري ولا يلقي بمعسول الكلام رغبة في جمع الناس عليه، وهو الشيخ الدكتور حازم أبو إسماعيل وفقه الله تعالى، هذا إضافة لما عنده من برامج وأفكار ورؤى كفيلة عند تطبيقها بتحقيق الخير للمصريين ومن خلفهم الأمة العربية، لكننا فوجئنا بتلكؤ فصائل إسلامية كبيرة عن دعمه وذلك بمسوغات أقل ما يقال فيها إنها مسوغات غير صادقة، وعندما شعر كثير من الأتباع بضعف موقف شيوخهم وعلمائهم وأن تصرفهم ليس له ما يسوغه لجأوا إلى تلك القاعدة: مشايخنا أعلم وأخبر وأقدر على تقدير المفاسد ولن نتقدمهم بشيء، وهو من وجهة نظري تعبير عن الشعور بعدم القدرة على المواجهة ومقارعة الحجة بالحجة.
وإن الانسان ليعجب من أناس ظلوا عقودا ينهون عن التقليد ويحذرون منه، ثم يخرج من أتباعهم من يردد مثل هذا الكلام ويجهر به ويحتج على غيره به.
فالمسألة واضحة ودلائلها متوفرة وليس هناك من أحد ظهر يمكن أن يوازي الشيخ الدكتور حازم فضلا عن أن يكون أعلى منه، وأما زعم الانتظار لعله أن يظهر من هو أفضل منه، فهذا المسلك شبيه بانتظار الرافضة لمهديهم الغائب الذي ينتظرون خروجه ويقولون داعين الله إذا ذكر اسمه "عجل الله فرجه"، وهذا لا يعني إطلاقا أنه لا أحد يعلو الشيخ ويفوقه فهذا القول لو قيل يكون غلوا ممجوجا، لكن ليس من العقل والإنصاف أن نترك الظاهر بنفسه المعلن عن برام لاحتمال أن يظهر أفضل منه، فإن لعل وعسى وربما وقد، كم أضاعت من فرص في وقت لا يحتمل التأخير، ولست أتمنى أن يأتي الوقت الذي أتمثل فيه بقول الشاعر:
بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
التوقيع | |
|
